من المعروف أن مرض السكر هو أحد أكثر الأمراض المزمنة انتشاراً في العالم، وأكثرها إحداثاً للمضاعفات، ذلك أن مرضى السكري غالباً ما يُهملون في الالتزام بتعلميات وإرشادات ونصائح طبيب الغدد الصماء، واللجوء في بعض الأحيان إلى الأخذ بنصح غير المختصين، الذين قد يتسببون في تفاقم مضاعفات المرض.
وفي مناقشة مع الزميل، دكتور عمرو عمر، أخصائي السكر والغدد الصماء بمعهد السكر، أعطانا ما أسماه "القواعد العشر للتعامل مع مريض السكر من النوع الأول" وهي قواعد مهمة جداً هدفها المحافظة على نسبة الجلوكوز منخفضةً في الدم وتجنب حدوث أي مضاعفات للسكر في أي من أعضاء الجسم، وتحسن الصحة العامة لأبطال السكر.
القاعدة الأولى: بخصوص الإنسولين للأطفال
ممنوع منعاً باتاً إيقاف إعطاء الإنسولين بأي حال سواء للكبار أو للأطفال، لكن المشكلة منتشرة بشكل أكبر في الأطفال لأن آباءهم يتصرفون من تلقاء نفسهم في الكثير من الأحيان ويوقفون إعطاء الإنسولين للطفل بحجة أنه لا يتناول طعامه.
ينصح د.عمرو بالتواصل مع الطبيب المعالج لتعديل الجرعة سواء بالزيادة أو النقص في حال تغير سلوك الطفل في تناول الطعام، لكن لا يُسمح بإيقاف الإنسولين إطلاقاً، لأنه يترتب على ذلك حدوث الكثير من المضاعفات ذات الخطورة العالية مثل:
- ارتفاع نسبة الأسيتون (ربما يصل إلى حد الغيبوبة الكيتونية في بعض الحالات)
- ارتفاع نسبة حموضة الدم
والكلام هنا عن الإنسولين القاعدي المعكر أو اللانتوس او الترسيبا الذين لا علاقة لهم بشهية الطفل وتناوله للطعام، وهم يواجهون ارتفاع السكر الناتج عن اضطرابات الهرمونات وزيادة إفراز الهرمونات المضادة لعمل الإنسولين مثل الأدرينالين والكورتيزون والجلوكاجون.
أما الإنسولين المائي، فيمكن تعديل جرعته حسب تناول الطفل للطعام، إلى حين التوجه به إلى الطبيب المعالج، فمثلاً في حالات النزلات المعوية المصحوبة بانخفاض السكر، يمكن تقليل الإنسولين القاعدي (لانتوس أو ترسيبا) بنسبة 20% (مثلاً يمكن إعطاء الطفل 8 وحدات بدلاً من 10).
أما الإنسولين سريع المفعول مثل "نوفورابيد" أو "إبيدرا" يُمكن تقليل الجرعة حتى 50% ويتناوله الطفل بعد الوجبة ليس قبلها، ما يعطيك فرصة لمعرفة الكمية التي يأكلها الطفل والحساب عليها، أما في حالات عدوى الجهاز التنفسي، فإن العكس يحدث حيث يرتفع السكر في الدم وهنا يجب زيادة جرعة الإنسولين القاعدي.
القاعدة الثانية: كيفية التعامل مع حالات القيء لطفل مريض بالسكر
من المهم جداً التنبيه على أن أي طفل مريض بالسكر يُصاب بنوبة قيء (ترجيع)، يجب اعتباره حالة ارتفاع أسيتون في الدم حتى يثبت العكس، والتعامل معه على هذا الأساس.
في أي حالة قيء للطفل يجب قياس نسبة السكر والأسيتون، فإذا كانت النسب طبيعيةً، فنكون قد استبعدنا ارتفاع الأسيتون، ويُمكننا الآن التفكير في الأسباب الأخرى للقيء مثل النزلات المعوية (إذا كان مصحوباً بإسهال).
قياس الأسيتون يُفضّل أن يُقاس عبر الدم لأنه أدقّ في النتائج، لكن شرائطه غير متوفرة في الكثير من الأماكن (متوفرة في دول الخليج بنسبة أكبر)، لذا يُمكن الاعتماد على نتيجة قياس الأسيتون في البول.
القاعدة الثالثة: حالات ارتفاع الأسيتون
يجب العلم أن ارتفاع الأسيتون يمكن أن يحدث في حالات انخفاض السكر وليس فقط حالات ارتفاع الجلوكوز في الدم، كما أن يُمكن أن يحدث في الحالات التي يكون فيها نسبة السكر (الجلوكوز) في الدم طبيعية.
تلك القاعدة مهمة جداً، حيث يجب على الأهل في حالة الشك في أعراض ارتفاع الأسيتون، عدم الاعتماد على قياس السكر وحده، بل يجب أن يقاس الأسيتون في البول على الأقل.
القاعدة الرابعة: كيفية التصرف في حالة ارتفاع الأسيتون
في حال التأكد من ارتفاع الأسيتون مع السكر، هناك خطوات مهمة يجب اتخاذها للحفاظ على سلامة الطفل ومنع المضاعفات التي تمثل خطراً على حياته، تلك الخطوات هي:
- منع حركة الطفل تماماً، تلك هي الخطوة الأولى لأن المجهود البدني الناتج عن تلك الحركة يُسبب ارتفاع الأسيتون
- شُرب الكثير من المياه والسوائل لمنع حدوث الجفاف، وللمساهمة في تخفيض نسبة السكر في الدم
- تناول جرعة إنسولين إضافية: النوع المفضل هنا هو الإنسولين المائي سريع المفعول، بجرعة تساوي 5 إلى 10% من مجموع جرعاته اليومية (يعني مجموع وحدات السريع والقاعدي). يمكن حساب الجرعة حسب وزن الطفل، بمعنى أن طفل وزنه 30 كيلو جرام سيأخذ 3 وحدات إنسولين مائي.
- عند إعطاء جرعة الإنسولين الإضافية يُفضّل حقنها في البطن أو الذراع لأن امتصاهما هو الأسرع بالترتيب، والابتعاد عن الحقن في الفخذ لأن الامتصاص فيه بطيء جداً.
- إذا كان الأستون +2 أو أكثر، يجب التوجه فوراً لأقرب مستشفى لتقييم غازات وأملاح الدم
- في حالة ارتفاع الأسيتون مع انخفاض السكر، تسمى هذه الحالة "Starvation ketosis" أي إنها بسبب نقص التغذية، وهذه الحالة يُمكن علاجها بإعطاء المريض مصدر سريع للسكر سواء طعام أو شراب مع متابعة الجلوكوز في الدم، ويمكن إعطاء حقنة جلوكاجون في الحالات الشديدة (نصف أمبول للطفل أقل من 8 سنوات، وأمبول كامل للطفل أكبر من 8 سنوات أو وزنه أكثر من 25 كيلو جرام).
- في حال ارتفاع الأسيتون مع كون السكر في الدم طبيعياً، يجب التوجه بالطفل إلى المستشفى فوراً، لأن التعامل بالمحاليل والجرعات يكون دقيقاً جداً في هذه الحالة
القاعدة الخامسة: في حالات عدوى الجهاز التنفسي
إصابة الطفل مريض السكر بأمراض الجاهز التنفسي مثل نزلات البرد والنزلات الشعبية، يصاحبها غالباً ارتفاع نسبة السكر في الدم، على عكس عدوى الجهاز الهضمي التي يصاحبها انخفاض في نسبة الجلوكوز في الدم.
يجب التعامل على هذا الأساس في الأطفال، وقياس نسبة السكر والأسيتون في حالة إصابة الطفل بأي من تلك الأمراض.
القاعدة السادسة: متى يجب قياس السكر والأسيتون؟
في حالة إصابة الطفل بأي من الأمراض السابق ذكرها في القاعدة رقم 5، يجب زيادة عدد مرات قياس السكر والأسيتون في اليوم.
وبحسب التوصيات الطبية الأخيرة، يُنصح بقياس السكر والأسيتون مرة كل 2-4 ساعات يومياً.
القاعدة السابعة: علاج الحمى
في الحالات السابق ذكرها، إذا أصيب الطفل بحمى (ارتفاع درجة الحرارة) نتيجة المرض، يجب تخفيض حرارة الطفل سواء بالكمادات أو بالأدوية، لتفادي حدوث الجفاف.
فمن المعروف أن ارتفاع درجة الحرارة، خصوصاً مع ارتفاع الجلوكوز في الدم، تزداد نسب حدوث الجفاف، الذي يمكن أن يؤدي إلى إصابة الطفل بمضاعفات خطيرة.
القاعدة الثامنة: بدائل المحاليل للطواريء
[مهم جداً] في حالة ارتفاع الأسيتون إلى +2 أو أكثر (الدرجة التي تتطلب التوجه فوراً إلى المستشفى) وحدثت مشكلة جعلتك تتأخر في الذهاب للمستشفى، يُمكنك إعطاء الطفل محلول الجفاف العادي مثل "hydrosafe" بعد إذابته في 200 مل ماء، ويجب أن يكون الماء نظيفاً، مغلياً ثم مبرداً.
هذا المحلول يُساهم في إمداد جسم الطفل ببعض الأملاح والسكريات الضرورية، والتي يُمكن أن تضبط الأمور لحين توجه الطفل إلى المستشفى وتلقي العلاج المناسب بالمحاليل عبر الوريد.
يُمكن أيضاً إعطاء الطفل أي سوائل تحتوي على ماء وأملاح مثل حساء (شوربة) الدجاج أو مرقة اللحم أو عصير ليمون مصنوع في المنزل، في حال عدم توفر محلول الجفاف.
القاعدة التاسعة: استثناءات الإنسولين سريع المفعول
في التوصيات الطبية الأخيرة لمرض السكر (2020) قالت إنه في بعض الحالات، يمكن إعطاء الإنسولين المائي (سريع المفعول) في العضل بدلاً من "تحت الجلد" لتسريع بدء مفعوله، لأن امتصاصه عبر العضل يكون أسرع.
لكن يجب التذكير بأن هذا استثناء مؤقت في حالات معينة يُحددها الطبيب المتخصص المعالج للحالة، ويجب عدم تكرارها كثيراً أو الاستمرار عليها بحسب التوصيات الحديثة.
القاعدة العاشرة: مزرعة البول
في حال ارتفاع درجة حرارة الطفل بدون سبب واضح،بمعنى عدم وجود التهاب في الجهاز التنفسي (لا نزلات برد ولا نزلات شُعبية)، وعدم وجود نزلات معوية، يجب التفكير في احتمالية وجود التهاب في مجرى البول حتى لو كان تحليل البول طبيعياً (يُطلب مزرعة بول).
سبب ذلك أن زيادة مرات التبول التي تصاحب مرض السكر، تغسل مجرى البول، مما يقلل عدد الخلايا الصديدية التي يُعتمد عليها في تشخيص التهاب مجرى البول، فيُعطي نتائج خطأ في تحليل البول، ربما تتسبب في أضرار أكبر للكلى لو لم تُعالج بالطريقة المناسبة.
المراجع:
- أحدث التوصيات العالمية لمرض السكر النوع الأول | Standards of medical care in diabetes - 2020
تعليقات
إرسال تعليق